ماذا كان يقصد المتنبي حين قال وزائرتي كأن بها حياء ؟
الإجابة هي :
المتنبي حين قال وزائرتي كأن بها حياء كان يقصد الحمى، تسمى الحمى أحيانا زائرة الليل؛ لأن ضراوتها تشتد وأعراضها تمتد أثناء الليل. وقد أصيب المتنبي أحد أكثر شعراء العرب شهرة بالحمى الشديدة فشكا منها، وبكى بأربعة سجام. كان الشاعر مزمعا على الرحيل من مصر في ذي الحجة عام 348، وعمره نحو 45 عاما، وذلك قبل وفاته بنحو ست سنوات.
هاجمته الحمى بضراوتها وارتفاع حرارتها وتقلب مزاجها، فحاول أن يصف أعراضها بأسلوب شعري رائع، كانت قصيدته عن الحمى في اثنين وأربعين بيتا، حيث تبدأ قصة الحمى في القصيدة من البيت السابع عشر.. يقول:
أقمت بأرض مصر فلا ورائي... تخب بي المطى ولا أمامي
ثم يقول: وزائر تي كأن بها حياء... فليس تزور إلا في الظلام
ولم تخل قصيدته من إشارة جانبية إلى كافور الإخشيدي والي مصر، الذي تسبب في رحيله عن مصر، التي كان يحاول أن يحقق فيها آماله وطموحاته.
كان المتنبي يقاوم الارتفاع الشديد في درجة حرارة جسمه، وشعوره أحيانا بالبرد والارتعاش.. كان يحس بجفاف حلقه وبالعرق الغزير يتصبب من جسده العليل. وصف المتنبي الحمى وكأنها فتاة يناجيها بشعره، ويحاول أن يتحداها بأسلوبه الدرامي.
وقصيدته التي يتداولها الناس منذ القديم عن مرض الحمى من القصائد الجميلة التي ترسم بعض الملامح الواضحة عن طموح ذلك الشاعر الطموح وتحديه للمرض ولمصائب الدنيا وأحداث الحياة.
يقول في القصيدة:
وزائرتي كأن بها حياء
فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظامي
يضيق الجلد عن نفسي وعنه
فتوسعه بأنواع السقام
كأن الصبح يطردها فتجري
مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق
مراقبة المشوق المستهام
يقول لي الطبيب أكلت شيئا
وداؤك في شرابك والطعام
فإن أمرض فما مرض اصطباري
وإن أحمم فما حم اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن
سلمت من الحمام إلى الحمام
تمتع من سهاد أو رقاد
ولا تأمل كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى
سوى معنى انتباهك والمنام
والخلاصة من القصيدة أن الشاعر لم يتخل عن طموحه وعزيمته رغم المرض، وأن كل شيء في اعتقاده مصيره إلى الفناء..